الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
لماذا خلق الله السماوات السبع كلها في يومين وقدَّر أقوات الأرض في أربعة أيام؟
آيات محيِّرة للبعض: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 9 - 12].
وجه الحيرة:
أولًا: حسبة عدد أيام الخلق: فيظن أنها ثمانية، بينما هو يقول في آيات أخرى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]. وصوابه أن هناك تداخل أو تراكب بين الأيام، فهو خلق الأرض في يومين، وفي ذات اليومين بدأ عملية تقدير الأقوات، ثم أكمل تقدير الأقوات في يومين آخرين، فتمَّ تقدير الأقوات في أربعة أيام، ثم خلق السماوات السبع في يومين.
ثانيًا: عند الناس أن السماوات السبع أعظم بكثير من الأرض الصغيرة جدًّا بالقياس للسماوات، فكيف كان خلق الأرض في يومين كالسماوات، وكيف كان تقدير الأقوات في أربعة أيام؟
والجواب إن العظمة لا تقاس بالحجم: عقل الإنسان أصغر كثيرًا من عقل الحوت، لكن أيهما أعظم؟ في معرض للمشغولات الذهبية كل المشغولات باهظة الثمن لكن خاتم من الماس يمكن أن يكون ثمنه -على صغره- أغلى من كل المشغولات الأكبر. هكذا الأرض. (Master piece القطعة الفنيَّة الخالدة)
وتقدير الأقوات عملية عجيبة ومبهرة: والأقوات مجموعة لأنها تشمل أقوات الإنسان، والحيوان، والطير، والأسماك، والحشرات، بل البكتيريا، والفيروسات، والطحالب.
قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6].
وسواء للسائلين: سواءً بمعنى كاملة لا نقص فيها ولا زيادة، وللسائلين تحتمل السائلين عن هذا الأمر، أو السائلين للأقوات.
ويعجز العقل عن تصوُّر هذا التقدير، ووصفه الله تعالى بقوله:
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 19 - 21]. {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
بعض آيات التقدير:
أولًا: كميات الطعام والشراب: من المنطقي أن الطعام على الأرض لا يكفي سكَّانها خاصَّة أن الزيادة تحدث بشكل مطَّرد وبتضخُّم كبير. لكن هذا لا يحدث.
(عام 1 ميلادية بين 150 و200 مليون، وعام 1000م: 300 مليون، وعام 1804: مليار، عام 1927: 2 مليار نسمة، عام 1960: 3 مليار نسمة، عام 1974: 4 مليار نسمة، عام 1987: 5 مليار نسمة، عام 1999: 6 مليار نسمة، 2012: 7 مليار ومن المتوقع ان يصبح عدد البشر 8 إلى 8.5 مليار في عام 2030).
أيضًا الزيادات غير المنطقية لا تحدث بمعنى زيادة البقر أو الجاموس مثلًا -وهما طعام- بشكل يؤدي إلى عدم انتظام الحياة، فالتقدير يشمل الكفاية فلا يقل وعدم الزيادة غير المنطقية فلا يزداد عن المطلوب.
ثانيًا: عملية تدوير المصادر والأقوات (Recycling) لا يأتي للأرض طعام من الخارج ولا يأتي لها وقود، ولا مواد، ولا يُقْذَف منها شيء خارجها. كل شيء يتمُّ تدويره: الأجساد الميتة، الروث، القمامة، حتى الأسماك الصغيرة والحيوانات، حتى الأمراض القاتلة.
ثالثًا: عملية التوازن البيئي، وهي من أعجب وأعقد العمليات، يتم بين الكائنات الحية؛ وهي منتجة كالنباتات، وتعتمد في غذائها على مواد غير حية، ومستهلكة كالإنسان والحيوان والطير، ومحلِّلة كالديدان، والفطريات، والبكتريا.
والكائنات غير الحية المكوَّنة من مواد عضوية أصلها الكربون، ومنها مخلَّفات الحيوانات، أو مواد غير عضوية كالمياه، والهواء، والمواد الصلبة كالأملاح والمعادن والصخور.
في النظـام البيئي البحري مثـلا تخرج الأسمـاك فضلات عضوية تقوم البكتريا بتحويلها الى مركبات غير عضوية تستعمل في تغـذيـة الطحالـب التي تتغـذى عليهـا الأسمـاك وهكـذا لا تبقـى الفضلات في ماء البحر الذي يظل نظيفا محتفظا بصفاته. والأسماك غذاء لبعضها البعض، وهي غذاء للحيوانات البحرية، والطيور، والإنسان.
والحيوانات المفترسة تتغذى على الفرائس، وعندما تزيد الفرائس تزيد المفترسات لكثرة الغذاء، فتقل الفرائس للاصطياد فتهلك المفترسات، وهكذا، والكلام نفسه يقال على البوم والثعابين مع الفئران، والخفاش مع البعوض، وهكذا.
رابعًا: التقدير لأزمان قادمة حسب الاحتياج: في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»
خامسًا: التقدير في الأنواع، مع أن حاجة الإنسان قد تكون في نوع واحد! {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4]
وحتى النوع الواحد من الثمار أو الطعام له صور متعدِّدة عجيبة:
التمر له 300 نوع، وأحيانًا 3000 نوع، والسمك 34 ألف نوع
سادسًا: تقدير العوامل المساعدة التي تكفل الحياة للكائنات الحية كلها: الهواء – الغلاف الجوي – الحرارة – اختلاف الحرارة من مكان إلى مكان – الليل والنهار – الشتاء والصيف
كميات المياه العذبة والمالحة: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]
سابعًا: المتعة:
{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]
{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 5، 6] الراحة النفسيَّة
ثامنًا: من أعجب أنواع التقدير: تقدير المال والثروة:
روى أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.." ويشمل هذا الذهب والفضة والألماس، والأحجار الكريمة، كما يشمل ما نتبادله من السلع، ويكون سببًا في الثروة، وقال تعالى لتبيين هذا التقدير: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27].
نختم بأمرين:
الأول: كل ما ذكرناه هو مجرد أمثلة يسيرة، والتفاصيل مذهلة
الثاني: أن كل ذلك لا يلزم له عند الله يومين أو أربعة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، ولكنه قدَّر ذلك لأنه جعل كلَّ شيء في كونه بأسباب، كما أراد منا أن نعرف عظمة الأشياء بقياس بعضها على بعض.
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83].
التعليقات
إرسال تعليقك